رميش جنوب- لبنان

الهاتف: 961 71015563 | البريد الألكتروني: info@rmeich.org



الحكومة وافقت على تكليف متعاقدين بمهمات إدارية في المدارس سابقة ترتد سلباً على التعليم وتفتح الطريق لتشريع التعاقد الوظيفي

ابراهيم حيدر

سجل مجلس الوزراء سابقة قد يكون لها ارتدادات خطيرة على التعليم، وذلك بموافقته على طلب وزارة التربية والتعليم العالي تكليف متعاقدين بمهمات ذات طابع إداري في بعض المدارس الرسمية في القرى النائية لعدم وجود مدرسين في الملاك.

لا تقتصر المهمات الإدارية في المدارس الرسمية على موظفين يتابعون تسجيل الدوام أو التسجيل، انما تنسحب على الإدارة، أي المدير والناظر في المدرسة. ومن شأن تكليف متعاقد بمهمة ادارية تعليمية أن تكسر قانون المعلمين وتفتح الطريق على إمكان تشريع التعاقد الوظيفي رسمياً، ذلك أن موافقة مجلس الوزراء لا يمكن تصنيفها في خانة الاستثناء، اذا اعتبرنا أن التعاقد يسير بقوة في المدارس منذ سنوات، لنصل الى أكثر من 32 ألف متعاقد في الثانوي والأساسي والمهني الرسمي، ويرتفع العدد مع التعاقد لتعليم أولاد اللاجئين.
تطرح قضية المتعاقدين مشكلات قانونية وتعليمية وأكاديمية. ففي السنوات الخمس الماضية شهدنا تدفقاً للتعاقد في التعليم الرسمي في حلقتيه الأساسي والثانوي وفي التعليم المهني والتقني بأعداد قياسية، فوفق المعلومات وتبعاً للتقارير الواردة الى وزارة التربية وتقارير المركز التربوي للبحوث والانماء والتفتيش التربوي، بلغ عدد المتعاقدين في التعليم الرسمي نحو 32 ألفاً، بينهم نحو 14 ألفاً في التعليم الأساسي ونحو 5 آلاف في الثانوي الرسمي، وما يزيد على 13 ألف متعاقد في التعليم المهني والتقني. ويضاف اليهم المتعاقدون لتعليم التلامذة السوريين اللاجئين، بعد فتح مدارس جديدة وإقرار التعليم لفترة بعد الظهر.
وبات التعاقد تقليداً مشرّعاً، فهو ضرب وظيفتي دور المعلمين وكلية التربية، والتي بدأت فعلياً في آخر الثمانينات، وشرّع في عام 1996، حين إعتمدت وزارة التربية آلية تقوم على التعاقد مع الأساتذة من خلال المدارس التي تحتاج لمعلمين، ثم إجراء مباراة محصورة بين المتعاقدين، وإرسال الفائزين إلى كلية التربية لمتابعة 'دورة إعداد' لمدة سنة بدلاً من الحصول على شهادة الكفاءة. ثم استمر التعاقد مع معلمين جدد، من دون ضوابط، عبر المدرسة، حيث خضع للاعتبارات الأهلية والسياسية، وبات تقليداً، الى أن تفوّق عدد المتعاقدين على أساتذة الملاك. علماً أن أساتذة نجحوا في عام 2012 في مباراة مجلس الخدمة المدنية ولم يلحقوا بدورة في كلية التربية الا هذه السنة، فيما الناجحون في الثانوي يتحركون لإلحاقهم بالتربية وتثبيتهم في الملاك.
وكان شُرّع في عام 2002 تعيين المعلمين في الأساسي من بين حملة الإجازات، فانطلقت ممارسات بالتعاقد مع المعلمين مباشرة عبر المدارس الرسمية، إجراء مباريات بين المتعاقدين، العمل على تعيين الراسبين في المباريات، ثم إجراء دورات تدريب سريعة للمقبولين. وكان التعاقد يتم من دون شرط حيازة شهادة الإجازة قبل عام 2002، حتى بات كل مسؤول أو جهة حزبية أو أهلية لهم حصتهم من التعاقد، وإن كان على حساب التعليم ومستواه، وليس من خلال الحاجات الفعلية للمدارس.
وكانت وضعت آلية لتنظيم التعاقد الوظيفي عكسته المادة 87 من نظام الموظفين (المعدلة وفقاً للقرار 23 بتاريخ 5/9/2008) والتي تنص على أن 'يتعاقد الوزير مع لبنانيين لمدة محددة وللقيام بعمل معين يتطلب معارف أو مؤهلات خاصة، ضمن حدود الاعتمادات المخصصة لهذه الغاية، وفي نطاق العدد المحدد فيها، وبموجب مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية وفقاً للأصول'، لكن التنظيم لم يأخذ طريقه الى التنفيذ وبقي التعاقد في المدارس يجري على قدم وساق.
وجرت محاولات للحد من التعاقد، بعدما صار يضغط على التربية، وإن كان مجلس الخدمة المدنية نظم أخيراً مباريات عدة لإدخال أساتذة في اختصاصات مختلفة الى التعليم. فوزير التربية الياس بوصعب اتخذ قراراً في نهاية عام 2014 بتعميم المقابلات على كل المناطق التربوية وذلك لضبط التعاقد العشوائي، من دون أن يعني ذلك تغييراً في قاعدة استقطاب أساتذة جدد للتعاقد، لكنه لم يستند الى آلية قانونية، فعاد التعاقد سيد الموقف.
وبصرف النظر عن كل الكلام الذي قيل عن حاجات التعليم، وآخرها اعلان وزير التربية الحاجة الى 3 آلاف استاذ، فإن التعاقد الذي يحصل لا ينطلق حقيقة من الحاجات، ففي آخر دراسة شاملة للمركز التربوي للعام الدراسي 2010 – 2011 بعنوان: 'الاستخدام الفعال للموارد البشرية في القطاع التربوي الرسمي'، يشير الى ان حجم الجسم التعليمي في القطاع الرسمي أكبر من الحاجة المطلوبة. ومع ذلك يستمر التعاقد مع معلمين جدد من دون وظائف فعلية. ففي دراسته الاحصائية التحليلية المدعمة بجداول يمكن استنتاج ان حجم الجسم التعليمي في القطاع الرسمي يبدو اكبر من الحاجة المطلوبة، بحيث يعلّم 22224 معلماً ومعلمة 207510 تلامذة في مدارس التعليم ما قبل الثانوي، اي بمعدل وسطي قدره تسعة تلامذة للمعلم الواحد. ويتفاوت هذا المعدل بين محافظة وأخرى، ليصل الى 6 تلامذة في جبل لبنان كحد ادنى و11 تلميذا في الشمال حدا اقصى. وفي المقابل يعلم 8443 استاذا واستاذة 68609 تلامذة في مدارس التعليم الثانوي، اي بمعدل وسطي قدره ثمانية تلامذة للاستاذ الواحد.
ويبدو ان هذا الإحصاء لم يأخذه اصحاب القرار بجدية، كذلك احصاءات أخرى. فاستمرت عملية التعاقد لتصل في عام 2013- 2014 الى نحو 3 آلاف متعاقد، وكرّت السبحة في الاساسي والثانوي والمهني، ما يعني ان التربية باتت مكانا للتوظيف.
ومن المفيد التذكير أيضاً بأن التربية نقلت أساتذة ملاك من اختصاصات مختلفة بالمئات خلال السنتين 2013 و2014 الى جهاز الارشاد والتوجية ومديريات ادارية أخرى، فأفرغت مدارس من كفاءات كانت في حاجة اليها. لذا، بعد قرار مجلس الوزراء، ما الذي يمنع اليوم تعميم التعاقد الوظيفي على كل المدارس؟

المصدر: النهار



الاشتراك في الرسائل الإخبارية !

يرجى إدخال البريد الإلكتروني الخاص بك و الاسم للانضمام.

Digital Newsletter

لإلغاء الاشتراك اضغط هنا ».